" بين جدو الهداف وجدو مبارك "مقالة رائعة لعبد الحليم قنديل


" جدو اللاعب " و " جدو مبارك "
عندما ينشر هذا المقال، تكون أفراح مصر بالفوز ببطولة الأمم الأفريقية
ـ للمرة السابعة-

قد انتهت، فرحة المصريين بإنجازات 'المنتخب الوطني'،
ويحل الهم والغم المقيم مع حكم 'الحزب الوطني'.

ولا أحد يقلل ـ لاسمح الله ـ من قيمة المنتخب الكروي المصري،
فهو بطل أبطال أفريقيا بامتياز،
ومديره الفني البارع حسن شحاته هو المعلم الأعظم كرويا،
ولاعبه محمد ناجي ـ الشهير بجدو ـ
هو الأسطورة الخارقة، وصاحب القدم الذهبية،
وصانع الفوز بالبطولة في مرمى فريق غانا،
وكان الفريق الغاني مسيطرا، لكن بركة جدو
ـ لاعب الاحتــــياطي ـ صنعت المعجـــــزة،
وأشعــلت حماس وأفراح المصريين في المقــــاهي والبــــيوت،
وفي الشــــوارع والميادين،
وبصور بدت مزيجا من الانفعال الكروي الحــــاد وتفريغ مكبوت الغضب،
بزحام كثيف لأعلام مصر،
ورقص في عز البرد، وإطلاق لصواريخ الألعاب النارية، و
حرق لإطارات سيارات قديمة
في عرض الشارع، وتدافع بالأيدي، وخناقات مراهقين،
ومعاكسات لفتيات بالحجاب وبدون الحجاب،
وصيحات هستيرية، وبصورة بدت معها مصر كأنها تفرح من قلبها،
وإن بدا الفرح مبالغا فيه
إلى حد الجــــنون، كان الفرح تلقائيا وطبيعيا في غالبه،
ومصنوعا مزادا منقحا أحيانا،
وبشحن متصل من عشرات القنوات التليفزيونية
المملوكة للحكم ومليارديراته،
ولم تخل القصة من محاولات لسرقة الفرح،
وتصوير النصر الكروي على أنه من صناعة
'حسني' مبارك، وليس 'حسن' شحاته،
وأخذ هدف الفوز من 'جدو' اللاعب،

وإضافته لنياشين 'جدو' الديكتاتور.

بدا المصريون شعبا يتيما من حقه أن يفرح،
فليس في حياتهم شيء يبهج،
لا في السياسة ولا في الاقتصاد، يحكمهم ديكتاتور عجوز يوغل في العقد التاسع،
وتتوالى أجيالهم فلا ترى غير وجهه
المرمم بعناية فرعونية،
وتدهسهم أقدار الموت المستعجل في العبارات والقطارات،
وعلى أرصفة الدم، وتحيطهم البطالة والفقر و'عيشة' المقابر،
ويقـــــرأون ويسمــــعون أرقامـــا فلكية لثروات
لا يعرف أحد كيف تكونت؟،
وسرقات لا يعرف أحد كيف جرت؟،
وضيق متصل في فرص الرزق والعيش،
وجرح غائر في كرامة الأبدان، وشقوق في الروح
تحجزهم عن بدن الــــوطـــن،
فقد انتهى المصريون إلى غربة في الوطن، ولم تعد مصر تـــعني لهم سوى
النكد والوجع وعسر الفهم،
ولم يعد لهم من حلم قومي سوى الخروج من مصر!!!
بدا لغالبــــية المصريين كأن البلد يكــــرههم،
بدت الروح مفارقة للبدن، وبدت كرة 'جدو' المفــــاجئة
كأنها تعيدهم إلى مرمى مصر،
وسرى ـ مع الكرة المفاجئة ـ إحساس مفاجئ باسترداد وطن،
وبدت الانتفاضة وطنية
، وإن كانت موقوته، فلدى المصريين جوع حقيقي إلى مصر
التي غادرتهم من زمن،
وبدا المصريون كأنهم المهاجرون العائدون إلى صالات الوصول،
بدا التعويض الكروي سخيا عن بؤس الغــــربــــة،
وبدا الاندفاع إلى الفرح الكروي مستعجلا شقيا،
وكأنه سباق إلى شربة ماء في خشونة الصحراء،
فالكرة تصعد وتهبط وتخاتل، وأفراحها صنو أتراحها، و'العارضة'
وحدها لها الدوام،
والشباك تسكنها أهداف الفوز كما فرص الهزائم،
وعليه، فقد بدا المصريون في عجلة لاقتناص الفرح العابر،
وقبل أن تحل مواعيد الأتراح المقيمة.

ومن زاوية أخرى، بدا فرح المصريين بالنصر الكروي جنونيا،
وإن انطوى على منتهى التعقل، وبدا تألق نجوم الكرة
هو الشيء الوحيد المفهوم في حــــياتهم،
فهم لايفــــهمون لماذا يحكمهم مبارك إلى أبده الذي لا يجيء؟
، ولماذا يصبح 'فلان' مليارديرا؟،
ولماذا يصبح 'ترتان' وزيرا أو رئيس تحرير؟،
فلا قواعد، ولا كفاءة، ولا قانون يعمل،
بينما الملاعب يحكمها القــــانون، وصفارة الحكم العادل،
وليس فيها التزوير
الذي يجعل الســــاقط وحيد قرنه،
ولا فيها الغش الذي يخلط الوطـــــن بعقار الهلـــــوسة،
ولا فيها الرشوة التي تجلب الحظ،
ولا فيها السرقة التي تصنع السلطة،
ولا فيها شفط ثروات وتجريف أراض،
ولا فيها النكد الذي يوحل غالبية المصريين في مستنقعات الفقر
والبطالة والمــرض،
ودون ذنب جنوه سوى أنهم ولدوا كمصريين،
فقد بدت أقدار غالب المصريين عشوائية تماما،
في حين بدت أقدار مصــــريين آخرين على قدر من الانضباط
والقابلية للفهم،
وهم احد عشر كوكبا على مستطيل الكرة الأخضر،
ليس فيهم أحد ابن رئيس جمهورية،
ولا فيهم أحد ابن ملياردير سارق،
ولا فيهــــم أحد ابن وزير غشاش
أو نائب ناجح بالتزوير،
بل يقودهم مدرب عظـــــيم التواضع ـ حسن شحاته ـ من كفر الدوار،
وفيهم حارس مرمى أسطوري ـ عصام الحضري ـ من كفر البطيخ،
وفيهم لاعب معجزة ـ جدو ـ من حوش عيسى،
وكلهم بشر من طـــــين وتراب مصر وكبدها المحروق،
حارت عقولهم في فهم ما يجري حولـــهم، وانتــــهوا إلى اللعب بالأقدام،
ولكن بإتقان وجـــدية وحرفــية، وحيث يتوافر تكافؤ الفرص
، وحـــيث لاغش ولا رشوة ولا سرقة حظ،
وبتوكل على الله يعرفـــه الضمير المصري من فجــــر التاريخ
، وبتوفيق منصف يعرفه الذي يجد فيجد،
وفي دنيا الكرة التي صارت مقام العدل الوحيد الشاهد
على مقابر ظلم انتهت إليها حياة المصريين .

فرح المصريون بلهفة اليتيم التواق للحظة عدل سماوي،
وإن استعاض عن تأخرها -المقدور ـ بلحظة عدالة كروية ناجزة،
فرح المصريون من الأعماق بإنجاز بنيهم،
وإن لم تسلم الجرة هذه المرة أيضا،
فالذين سرقوا بلدا لاتعــــز عليهم سرقة كعــــكة النصر في مباراة كرة،
وبدلا من ترك الفرح لأهله، بدلا من أن يفرح المصريون البسطاء بنصر أولادهم
فــــي كفر البطــــيخ وكفر الـــدوار وحوش عيسى،
ويستخلصوا العبر، ويستعيدوا الثقة بذواتهم المدهوسة،
بدلا عن أن يكون الفرح شعبيا خالصا،
كان طائر الرخ ـ المسمى بالحكم المصري ـ يرخي سدوله،
ويخطف كأس النصر، ويحجزه للعائلة وضباطها ومليارديراتها،
وبدت الصورة التذكارية التي نشرتها صحف الحكم معبرة عن الذي جرى
، الديكتاتور العجوز ـ حسني مبارك ـ في قلب الصورة،
وكأنه 'الكوتش'،
ووزير الداخلية المزمن ـ حبيب العادلي ـ في صفوف اللاعبين،
وكأنه الهداف الأعظم،
والولدان علاء وجمال مبارك في آخر الصف العلوي،
وكأنهم الوارثون للكأس،
بدت سرقة الفرح جريمة ظاهرة،
وبدا الخلط مفضوحا، وكأنهم يقرأون الآية بالمقلوب،
وكأن فريق الحكم هو الذي انتصر في أنغولا، وليس فريق الكرة،
وكأن فريق الخيبة العظمى هو ذاته فريق النصر الأعظم،
وكأن شجرة البؤس هي ذاتها 'كوشة' الفرح،
وكما سرقوا الأرض
وانتهكوا العرض،
وأذلوا العباد
وأهانوا البلاد،
وصادروا أحلام أجيال وراء أجيال،
وحولوا البلد لعزبة،
فإنهم أرادوا أيضا سرقة الكأس الكروي،
وتسليمه ـ كتسليم البلد ـ إلى صاحب العزبة،
وكأن 'توجيهات' سيادته كانت وراء الفوز العظيم،
وليس تعب حسن شحاته،
أو كأننا وقعنا ضحية لخداع كاميرا،
وتصورنا أن هدف الفوز في مرمى غانا أحرزه اللاعب 'جدو'،
بينما الذي أحرز الهدف كان 'جدو' الحاكم،
وليس جدو اللاعب،
فالكرة دوارة كما تعلم، ولا تجري في مصر ـ ولا في أنغولا ـ
بدون توقيع حسني مبارك،
فلا شئ يستعصي على السرقة والتزوير في مصر الآن،
والذي يغتصب حكم بلد
لايصعب عليه اختطاف كرة،
واختصار فرحة وطن بناسه الطيبي
ن في ابتسامة سيادته، والتي بدت مصنوعة و'ممكيجة' إلى أبعد حد،
وبدت شيخوخة الديكتاتور
كأنها تمتص شباب اللاعبين،
ففريق الكرة المصري كله من الشباب الغض،
وليس بينهم سوى واحد أو اثنين من المحترفين دوليا،
بينما فريق الحكم المصري من المحترفين للعجز،
وأغلبهم ـ ماشاء الله ـ في شيخوخة رئيسهم،
وفي بقائه المزمن فوق الرقاب،
وليس بينهم واحد في شباب 'جدو'،
ولا حتى في عمر والده،
فقد شهدت الكرة المصرية تجديدا متصلا،
ومن جيل 'الخطيب' إلى جيل 'أبو تريكه ' إلى جيل 'جدو'،
وكلهم توالوا في زمن مبارك السرمدي الواحد،
في زمن عائلة واحدة تحكم مصر
ـ'مول' تجاري مسجل باسم الأب،
تفتح شقة في الأسكندرية بابها في أسوان،
قد ولد 'جدو' اللاعب قبل 26 سنة
، بينما 'جدو' مبارك يحكم مصر من 29 سنة،
ويسرق فرحة المصريين برمية 'جدو'،
ويرمي أجيالهم في بئر الأحزان.
انتهت مقالة الرائع قنديل
وأستأذنه أن أضيف
" أن جدو اللاعب الصغير فرحنا فرحة كبيرة "
" لكن جدو مبارك ماشفناش معاه يوم حلو "
-------------------------------------------
تعليقي على هذا الكلام الرائع مجرد أمنية فيها الخروج من أزمة مصر الخانقة
" أنا حاسس إن فيه يوم جاي قريب حايفرحنا فيه مبارك أكبر فرحة
تعوضنا عن تلاتين سنة نكد "
" يارب قرب اليوم ده "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعاء أصحاب الكهف الجامع لخيري الدنيا والآخرة "رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا " ...

سندوتش مكرونة مع ابراهيم عيسى