مقال خطير للاستاذ حسن نافعة
قبل أن يتحول «فائض الغضب» إلى «طوفان»
بقلم د.حسن نافعة ١٢/ ٤/ ٢٠٠٩ تابعت، كغيرى من المهتمين بالشأن المصرى العام، نشاط «حركة شباب ٦ إبريل» التى انشغلت طوال الأسبوع الماضى بالاستعداد للاحتفال على طريقتها بالذكرى الثانية لانطلاقها، ولفت نظرى اختيارها شعار «يوم الغضب» عنوانا للدعوة للقيام بإضراب عام يعبر الشعب المصرى من خلاله عن غضبه مما آلت إليه الأحوال وعن رغبته فى تغيير السياسات التى أوصلتنا إليها. ولأن حركات وتيارات سياسية واجتماعية أخرى كانت قد أعلنت تأييدها وتضامنها مع هذه الدعوة، فقد كان من المتوقع أن تلقى استجابة شعبية واسعة النطاق. غير أن اليوم المحدد للإضراب مر بهدوء، مما أثار تعليقات كثيرة ربما كان أبرزها مقال للأستاذ فهمى هويدى بعنوان «فائض الغضب فى مصر» نشرته عدة مواقع إلكترونية يوم ٨ إبريل الماضى وأشار فيه إلى ثلاث قراءات مختلفة حول دلالة ما حدث. فهناك «موالون» يرون أن الدعوة للإضراب «فشلت كليا»، و»معارضون» يرون أنها حققت نجاحا نسبيا، و»واقفون فى الوسط» اعترتهم الدهشة وتملكتهم الحيرة. أما الأستاذ فهمى هويدى نفسه فيرى «أن فى مصر فائضا من الغضب لم تعن الحكومة بالتعامل مع أسبابه بقدر ما فشلت القوى السياسية والاجتماعية فى استثماره على نحو إيجابى وفعال». وتلك وجهة نظر تستحق أن نتوقف عندها بقدر من التأمل والانتباه. ليس بوسع أحد أن يجادل فى وجود أسباب كثيرة للغضب فى مصر يجرى التعبير عنه بوسائل وأشكال كثيرة ليس أقلها الاضراب أو التظاهر. غير أن حجم هذا الغضب لا يقاس بقدرة المنظمات الشعبية أو الجماهيرية، كالنقابات المهنية أو الاتحادات الطلابية أو نوادى أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات المصرية أو حركة «كفاية» و»مجموعة ٩ مارس» وغيرها، على التعبئة والحشد، أو حتى على ضخامة وفاعلية المظاهرات والإضرابات التى تنظمها. فكثيرا ما تكون المظاهرات والإضرابات وما شابههما وسائل للتعبير عن مطالب فئوية أو مهنية عادة ما تكون ضيقة أو محدودة بصرف النظر عن حجم المشاركين فيها أو فاعليتهم وقدرتهم على ممارسة الضغط. أما الغضب فشىء آخر يعد فى رأيى أكبر وأهم بكثير لأنه يعبر عن حالة تعكس تحول المطالب الفردية والخاصة إلى مطالب عامة وجماعية. أهمية «حركة شباب ٦ إبريل» تنبع فى تقديرى من أمرين، الأول: أنها حركة شبابية، أى أنها نبعت من قلب القطاع الأكبر والأكثر قدرة على التأثير وعلى قراءة المستقبل فى مصر، والثانى: أنها حركة غير حزبية وغير فئوية وليس لديها ثقة كبيرة فى المؤسسات القائمة، الحكومية منها أو المعارضة، لكنها لا تطرح نفسها كبديل للحركات والتنظيمات القائمة ولكن كمحفز ومنصة إطلاق لمبادرات مشتركة تستهدف دق ناقوس الخطر وتنسيق الجهود من أجل إحداث التغيير المنشود لإنقاذ البلاد من كارثة قادمة بدأت تستشعر خطرها. ولا يجب أن ننسى أبدا أن هذه الحركة بدأت لدعم إضراب كان قد دعى إليه عمال المحلة يوم ٦ أبريل من العام الماضى، وهو أمر له دلالته المهمة. هى إذن شكل جديد، وبالقطع لن يكون الأخير، لحركات احتجاجية تبحث عن طريق لتحويل غضب كبير متعدد الروافد إلى فعل قادر على حفر مجرى النهر الذى سيصنع التغيير. وإذا كانت دعوة هذه الحركة الشابة الوليدة إلى إضراب عام قد أخفقت أو حققت نجاحا محدودا هذه المرة فليس معنى ذلك أنها انتهت أو أن التيار المطالب بالتغيير فى مصر ضعيف أو هامشى أو بلا مستقبل. فما فشلت فيه حركة اليوم قد تنجح فى تحقيقه غدا، وربما تسلم الراية إلى حركة أخرى أكثر قدرة على ابتكار وسائل كفيلة بصنع التغيير فى المستقبل. ولأن الغضب فى مصر يتراكم بمعدلات أسرع كثيرا مما قد يتصور البعض، فالتغيير قادم لا محالة. لم أندهش كثيرا، حين رحت أقلب فى مواقع الصحف المصرية فى نفس اليوم الذى طالعت فيه مقال الكاتب «المعارض» فهمى هويدى، من أن أجد فائض الغضب طافحا بين سطور أعمدة كتاب لا ينتمون للمعارضة من قريب أو بعيد. فقد اتضح لى أن السيناريست وحيد حامد غاضب أشد الغضب من الوزير يوسف بطرس غالى، بسبب «التوكتكات» التى يرى أنها تحولت إلى صراصير ملأت مصر كلها رعبا وقذارة وفوضى وإجراما. ولأن كاتبنا الكبير يئس من مناشدة الوزراء فقد قرر أن يتوجه بالنداء فى عموده بصحيفة الشروق «إلى السيد غبور»، ابن خالة السيد «وزير التوكتكات»، يقول فيه: «والمال ياسيد غبور ليس كل شىء.. والتجارة مشروعة..ولكن نحن لا نتاجر فى دم الوطن.. والصناعة مطلوبة بشرط أن تصنع ما يفيد.. هذه حاجتى إليك ياسيد غبور لا أطلبها من حكومة فاقدة البصر والبصيرة..ولكن أطلبها منك يانافذ البصر.. والله المستعان». ولأنه كان قد فاتنى مطالعة مقالات سابقة لهذا الكاتب ، فقد رحت أطالعها لأكتشف أنه غاضب أيضا من كثيرين آخرين غير وزير المالية وابن خالته غبور. فهو غاضب مرة من محافظ الجيزة ووزير الإسكان، بسبب تغاضيهم عن عمليات هدم الفيلات، وأخرى من وزير العدل الذى يتلذذ بمضغ اللبان فى مجلس الشعب، بل ومن مجمل أحوالنا التى لم تعد تسر عدوا ولا حبيبا. تركت «الشروق» وذهبت إلى موقع «المصرى اليوم» ورحت أطالع عمود الدكتورة منار الشوربجى فوجدتها بدورها غاضبة أشد الغضب من أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر. ولأننى اعتدت من باحثتنا الجادة والرقيقة لغة هادئة، فقد دهشت حين وجدتها تصف تصريحات أبو الغيط بأن «لها أحيانا وقع الصفعة التى تفاجئك من حيث لا تتوقع، وأحيانا تود معها أن تختفى تحت أقرب مقعد، خجلا من أن يقال ما قيل باسم مصر، وأحيانا أخرى تدفعك تصريحاته للصراخ بأعلى صوتك معتذرا لكل مصرى قيل هذا الكلام باسمه»، بل كدت أصاب بالذهول من عدم قدرتها على احتمال تصريحاته عن الغارة التى شنتها إسرائيل مؤخرا على السودان إلى درجة القول: «لا أخفى عليك عزيزى القارئ أننى منذ فترة كنت كلما صادفت من الأصدقاء والزملاء من يعرف الوزير معرفة شخصية تمنيت عليه أن يهمس إليه برسالة منى كمواطنة مصرية. لكن طفح الكيل ولم يعد الأمر يحتمل الهمس، فرسالتى للوزير من جملة واحدة: من فضلك التزم الصمت. فأنت كلما تحدثت أسأت إلى مصر إساءة بالغة». الكيل طفح إذن وأصبح الغضب سيد الموقف حتى من جانب من كنا نحسدهم على هدوئهم. فكيف والأمر كذلك أن نستكثر على شبابنا أن يختاروا «الغضب» شعارا، خصوصا وأن أسباب الغضب لم تعد مقصورة فى الواقع على قضية بعينها وإنما امتدت لتشمل كل القضايا، بدءا بمشكلة القمامة وانتهاء بقضايا الأمن الوطنى، ولم تعد مقصورة على مسؤول بعينه وإنما امتدت لتشمل الجميع، بدءا بالبواب وانتهاء برأس الدولة. قد يدهش القارئ إن بحت له بأن سياسة مصر الخارجية هى أكثر ما يقلقنى الآن. ولا أذيع سرا إن قلت إن كثيرين فى العالم العربى، بمن فيهم أناسا يكنون حبا حقيقيا لمصر وشعبها، أصيبوا بصدمة حين سمعوا بقرار الرئيس مبارك عدم المشاركة فى قمة الدوحة ولم يقتنعوا بالأسباب التى قيلت لتبرير غيابه ووجدوا فيها عذرا أقبح من الذنب نفسه. فقد صغرت مصر كثيرا حين وضعت رأسها برأس قطر، ولم يستطع أحد أن يستوعب أو يهضم كيف يمكن أن يؤدى «زعل» الرئيس مبارك من حاكم قطر إلى مقاطعته لقمة عربية تعقد تحت مظلة جامعة الدول العربية التى تحتضن القاهرة مقرها. ولأننى لم أقتنع شخصيا بأن يكون هذا هو السبب الحقيقى، فقد شعرت وقتها بقلق كبير مما يمكن أن تحمله رياح الغد. واليوم أشعر بقلق أكبر بعد أن كشف المدعى العام المصرى بالأمس (الأربعاء ٩ إبريل) عن قيام حزب الله بتكليف وحدة تابعة له بتنفيذ «عمليات عدائية» فى مصر وتدريب عناصر محلية على كيفية استخدام المتفجرات. فهل يعقل، وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن قيام مصر بتوجيه دعوة رسمية لنتنياهو لزيارة مصر، وهو لن يحضر طبعا بدون وزير خارجيته ليبرمان الذى هدد بضرب السد العالى وأهان الرئيس مبارك، أن تقوم مصر بتوجيه الاتهام إلى حسن نصر الله؟. طبعا أمن مصر يجب أن يظل فوق الجميع وفوق كل اعتبار، لكن، وبدون المصادرة على حق القضاء فى أن يدلى بالقول الفصل فى هذا الموضوع، لا أظن أن مواطنا واحدا محترما يمكن أن يصدق أن ليبرمان أصبح صديق مصر الصدوق وأن حسن نصر الله بات عدوها اللدود. أليس هذا فى حد ذاته مدعاة للسخرية وبالتالى لغضب فى حجم الطوفان؟! |
تعليقات