منحة مبارك الأخيرة (الانتخابات القادمة ستكون نزيهة )


في مقاله الرائع كتب السفير د. عبدالله الأشعل


كرر الرئيس مبارك عدة مرات أنه ينوى إجراء انتاخابات حرة نزيهة لمجلس الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية، فكيف قرأ الناس هذه التأكيدات فى مصر والعالم الخارجى؟

الملاحظة الأولى، التى تعرفها السلطة جيداً أن الشعب لا يثق فى السلطة مطلقاً ويرى الشعب أن السلطة تسعى إلى الإضرار به دون مبرر مفهوم، وصار كل شئ حكومى رمزاً للفساد وعدم الجدية، كما صار كل تصريح حكومى يستفز الناس من كثرة ما سمعوا من تصريحات ووعود بينما الواقع يتفاقم بعكس مايعدون به.

وفيما يتعلق بالانتخابات، فالمعلوم أن لمصر رصيد محترم وتاريخى فى تزوير أصوات الشعب حتى أن الشعب لم يعد بحاجة إلى تصويت وأن السلطة حملت عنه هذا العبء. ولذلك فإن الشعب لن يصدق أن الانتخابات سوف تكون نزيهة كخطوة أولى إلا إذا اعترفت السلطة بأنها زورت وأنها تابت إلى الله وعرفت أن الشعب مصدر السلطات السياسية، وأنها لم تعين بقرار إلهى لا سلطان للشعب عليه.

الملاحظة الثانية، هى أن تزوير الانتخابات فى مصر أصبح أهم إنجازات الحكومة وربما أهم صادرات مصر وأوراقها ولا أدرى ماذا يشعر المسئوولون والنواب وهم يعلمون أن النائب الذى عين بقرار وتم تزوير أوراقه هم خادم لمن عينه وفضحه وألصق الفضيحة فى عنقه، ومع ذلك يتحدث النائب المزور عن الكرامة والسيادة والاستقلال والشرف وكلها معان نبيلة تم ابتذالها بجسارة منقطعة النظير السابق، فإن الشعب لن يفتح قلبه، بل هو مستعد للأسوأ.

الملاحظة الثالثة، هى أن السلطة تعلم جيدأ أن الحزب هو الدولة، فلا مجال لأى مصرى فى بلده إذا كان خارج الحزب، كما أنه من العبث عن الحديث عن تشجيع الأحزاب والمشاركة السياسية مادام مصيرها معروف وهى خدعة جديدة. وخلاصة القول فى هذه النقطة، أن الشعب أصبح يتمنى أن يسكت المسئوول وألا يزيد الطين بله، وأن تدار البلاد بالصمت بالشكل الذى يرى الشعب أنها تسير نحو الهاوية فى ظل تعميم وأكاذيب وخداع لا يستحقه هذا الشعب الصابر.

الملاحظة الرابعة، إذا أراد الرئيس حقاً أن يخلف شيئاً نافعاً لهذا الوطن فهو أن يصارحه بالحقيقة حتى لو كان الحكم يريد التزوير وأنه لن يبقى يوماً واحدا فى السلطة بغير التزوير. ويقصد بالتزوير إبهام الشعب على غير الحقيقة للحصول على مايريد كما لو كان يقول الحقيقة. وقد امتد التزوير إلى كل شئ حتى أن الناس لم تعد تثق فى شئ. ولذلك فإن أزمة الثقة الطاحنة بين الشعب وسلطته هى أكبر تحدى لمصر المعاصرة.

الملاحظة الخامسة، ما دام العزم أكيدا على إجراء انتخابات حرة فإن هناك خطوات وإجراءات لابد من توفيرها لنزاهة هذه الانتخابات، الإجراء الأول، تخلى وزارة الداخلية عن فريق البلطجية الذى تستعين به فى جميع المناسبات لأنه لا يليق بمصر فى القرن الحادى والعشرين أن يتم توظيف البلطجية من جانب السلطة، وإلا تفقد السلطة شرعيتها ويعاملها الشعب معاملة البلطجية، وكفى فضائح استخدامهم فى الانتخابات والفتن الطائفية وغيرها. ولا يليق بوزارة تعمل على احترام القانون تضرب المثل فى استحداث قانون الفوضى والعار.

الإجراء الثانى، التيسير على المواطن للوصول إلى لجان الانتخابات وإدلائه بصوته بدءاً من وضع كشوف ناخبين جديدة قائمة على الرقم القومى، ووضع إرشادات للوصول إلى اللجان والقبول برقابة الدولية، وكل ما من شأنه منع التلاعب والتزوير، مع التشديد على جهة الإدارة بعدم التزوير وعدم السماح به مهما كانت الظروف. وحتى لو هزم النظام فى انتخابات حرة، فإن هذه الهزيمة هى الوحيدة التى تدخله التاريخ المشرف، أما استمراره بانتخابات حرة فإنه وسام على صدره، يسعد الشعب، كما يسعد النظام.

لقد آن الآوان لأن تكون مصر قدوة فى إصلاح هذا الخطأ القاتل وهو تزوير إرادة الشعب وتصدير هذه السلطة إلى المنطقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعاء أصحاب الكهف الجامع لخيري الدنيا والآخرة "رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا " ...

سندوتش مكرونة مع ابراهيم عيسى