لا تتعجلوا نصرا هزيلا :

لا تتعجلوا نصرا هزيلا :
..............................
فقد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم يكتمل بعد نضجها ، ولم تحشد بعد طاقاتها ، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات ، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً ..
.
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً ، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله ..
.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها ، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر ..
إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ، ثم تكل الأمر بعدها إلى الله   ..
.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سنداًإلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء .. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتهاعلى النهج بعد النصر عندما يأذن به الله ، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله ..
.
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها ، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها ..
والله يريد أن يكون الجهاد له وحده ، وفي سبيله وحده ، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه  ..
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى، فأيها في سبيل الله ؟ فقال : "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" ..
.
.وقد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً ، ويذهب وحده هالكاً ، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار !!
.
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما ، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه ، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة ، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس ، ويذهب غير مأسوف عليه !!
.
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة  ..
فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار ، فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، ولاستبقائه  ..
.
من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام ، مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية  ..

"سيد قطب" ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وصية الحسن البصري لعمر ابن عبد العزيز .